اضغط على الصور لتكبيرها
يحكي الكتاب المقدس أن مجموعة من الملائكة، أو أبناء الله كما يسميهم مجازا، والذين كلفهم الله تعالى بحراسة الأرض ومراقبتها قد فُتنوا بجمال بنات البشر، فقرروا التجسد بصورة بشر واتخاذهن زوجات لهم، فحملن لهم ووضعن جنسا هجينا سماه الكتاب المقدس Nephilim.
تميز هذا الجنس الهجين باختلاف بنيته الجسدية عن باقي البشر، بحيث كان أفراده عمالقة ومفسدين في الأرض. عاقب الله تعالى الملائكة الذين قاموا بهذا العمل بأن طردهم من الملأ الأعلى وسجنهم إلى الأبد. أما العمالقة فقد أغرقهم الله بالطوفان العظيم في عهد سيدنا نوح ﷺ وصارت أرواحهم شياطينا بعد موتهم. يجب أن أنوه بداية أن حديثنا اليوم ليس عن صحة القصة من عدمها، وإن شاء الله ستكون هناك حلقة خاصة بهذا الموضوع حينما ييسر الله تعالى. وسبب ذكرنا لها الآن هو اقتباس سيتشين منها للاستدلال على فرضيته.
يدعي سيتشين أن كلمة Nephilim تعني "الذين هبطوا من السماء" أو "الذين سقطوا من السماء" أو "الذين نزلوا من السماء في صواريخ نارية". كما أنه يدعي أن كلمة Elohim تعني الآلهة بصيغة الجمع، وأنها دليل من الكتاب المقدس على أنها لا تشير إلى الإله الواحد كما يعتقد أصحاب الديانات السماوية، بل إلى آلهة متعددة والتي هي الأنوناكي، وأن ما يؤكدها أيضا هو نظيرتها Ilanu بالأكادية.
حسنا، دعنا نأخذ الموضوع خطوة خطوة، وحتى لا نجعله طويلا، فإننا لن نتطرق إلى تفاصيل التفاصيل، لأن النقاش سيكون لغويا نوعا ما، وبالتالي سنحاول الاختصار في مسألة القواعد اللغوية. نستهل حديثنا بكلمة Elohim. وردت كلمة Elohim 2602 مرة في النسخة العبرية من الإنجيل في سياقات مختلفة، منها ما يشير إلى الإله الواحد، ومنها ما يشير إلى الملائكة ومنها ما يشير إلى الملوك الذين حكموا الأرض، إلى غير ذلك من السياقات الأخرى. كما وردت بصيغ أخرى مثل: إل – إله – إلوه.
تُعتبر كلمة El أقدم كلمة في اللغات السامية استُخدمت لتعني الله أو إله. وتدخل أيضا في تركيب أسماء الملائكة والأنبياء والأشخاص، بحيث تضاف EL إلى نهاية أو بداية الاسم. مثل جبرائيل، جبريل، ميكائيل، إسرافيل، إسرائيل، شموئيل، صموئيل، إليجاه، إلشداي، إل إليون، إلعُلام... الخ. من قواعد اللغة العبرية إضافة الجذر "Im" إلى الكلمات من أجل تكوين صيغة الجمع، ولهذا قال سيتشين إن كلمة إلوهيم تعني آلهة كثيرة وليس إلها واحدا.
صحيح أن الجذر "im"الملحق بالكلمات في نهايتها يُستخدم للدلالة على صيغة الجمع في اللغة العبرية، لكن ليس دائما. لماذا؟ لأنه يجب التفريق بين الجمع العددي، وجمع التعظيم. جمع التعظيم يعني استخدام صيغة الجمع مع المفرد كنوع من إظهار الاحترام أو التشريف، ومثاله أن تتحدث مع شخص ذو مكانة رفيعة وتقول له سيادتكم عوض سيادتك. أو كما هو الحال مع استخدام الله تعالى لكلمة "نحن" في القرآن الكريم مثل "نحن نقص عليك أحسن القصص"، "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، "نحن نرزقكم وإياهم".. إلى غير ذلك من الأمثلة. الذين يجهلون القواعد اللغوية لأي لغة كانت، سوف يجدون أنفسهم بكل تأكيد أمام ارتباك كبير في فهم المعنى. وهذا بالضبط ما حدث لسيتشين. فلو كان على معرفة بالعبرية كما ادعى، لما وقع في هذا الخطأ. لأن معرفة أي الجمعين هو المقصود عملية يسيرة، تعتمد فقط على صيغة الفعل المرفق، فإن كان الفعل في صيغة الجمع أيضا، كانت الكلمة جمعا عدديا، وإن كان الفعل في صيغة المفرد كانت الكلمة جمع تعظيم أو احترام.
وفي المثال التالي من سفر التكوين نجد أن الفعل في صيغة المفرد، مما يعني أن الجمع هنا ليس جمعا عدديا، بل جمع تعظيم. " bə•rê•šîṯ bā•rā ’ĕ•lō•hîm; ’êṯ haš•šā•ma•yim wə•’êṯ hā•’ā•reṣ." "In the beginning God created the heavens and the earth" "في البدء خلق الله السماوات والأرض" نجد هنا كلمة إلوهيم في صيغة الجمع مع الفعل في صيغة المفرد برا أو برأ شبيهتها بالعربية الفصحى: برا إلوهيم، خلق الله، God created. لو كان المقصود جمعا عدديا لكان الفعل في صيغة الجمع أيضا، ويجب أن تُقرأ حينها: برئيف إلوهيم، خلقت الآلهة، Gods created.
كما أن اللغة العربية الفصحى تضم نفس الكلمة، وهي تشير إلى الإله الواحد أيضا، كلمة "اللهم". مثلا: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ"، "قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ"، "قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ".. وعليه، فإن ادعاء سيتشين بأن Elohim تعني الآلهة الخالقة المتعددة ولا تعني الإله الخالق الواحد أمر باطل، وهذا يدل على أنه لا يعرف قواعد اللغة العبرية، وبالتالي ربطه للكلمة بـ الأنوناكي أمر باطل أيضا.
أما بخصوص كلمة نيفيليم، فكما أشرنا في البداية، سيتشين يقول إنها تعني الذين سقطوا من السماء، أو الذين هبطوا من السماء، أو الذين نزلوا من السماء في صواريخ نارية. وهو يعتمد عليها لأنها تخدم فكرته حول نزول الأنوناكي من الفضاء في مركبات فضائية. والسؤال المطروح هو: هل فعلا تعني كلمة نيفيليم، الذين هبطوا من السماء؟
يجب أن نعود أولا للسياق أين وردت الكلمة، وهذا بالأساس في سفر التكوين. حيث نجدها في القصة التي ذكرناها آنفا بخصوص الملائكة الذين اتخذوا من بنات آدم زوجات لهم قبل أن يطردهم الله تعالى من الملأ الأعلى لمخالفة أمره. نقرأ أن النسوة اللائي أقمن علاقة مع أبناء الله، أي الملائكة، قد ولدن الـ نيفيليم أو الجبابرة. الكلمة جاءت في صيغة الجمع وهي تنطق على وجهين اثنين، نفليم ونفيليم بالياء. وهذا الفرق في الكتابة يرجع إلى كون الكتابة العبرية كانت تُدون من غير حركات، تماما مثل العربية في البداية حيث كانت تكتب من دون تنقيط ومن دون حركات. وحينما أضيفت الحركات لاحقا ظهرت الكلمة بهاذين الوجهين.
الجذر الأصلي أو الأساسي للكلمة هو ثلاث حروف نون في لاميد. نفل. وهو فعل. هذا الفعل هكذا بدون حركات يمكن أن يشير لعدة معاني من بينها فعل "نَفَلْ" يسقط، وصيغة الاسم المشتق منه تعني الذين أُسقطوا، أي في صيغة المفعول الذي وقع عليه الفعل، وليس في صيغة الفاعل الذي يقوم بالفعل. بعبارة أخرى، ادعاء سيتين "الذين هبطوا من السماء" يعني أنهم هم من قاموا بهذا الفعل، أي هبطوا من تلقاء أنفسهم، في حين أن قول "الذين أُهبطوا من السماء" يعني أنهم هم من وقع عليهم الفعل من فاعل آخر، أي طُردوا وأُنزلوا. ولو كان المقصود الذين سقطوا من تلقاء أنفسهم كما يدعي سيتشين، فإن الاسم العبري ليس نفيليم، بل نيفوليم. هذا بالإضافة إلى أن الإنجيل لم يذكر أبدا أن الذين سقطوا أو أسقطوا هم النيفيليم، بل أبناء الله، أي الملائكة العاصون، أما النيفيليم فهم ذرية هؤلاء الملائكة من بنات البشر.
هناك أيضا اسم آخر يمكن اشتقاقه من الفعل نفل. وهو في صيغة الفاعل، ويعني "المغيرون"، أي الذين ينزلون أو يغيرون على أعدائهم. وهذا أيضا لا يخدم ادعاء سيتشين، لأن صيغة الجمع منه هي: نوفليم وليس نفيليم. وهكذا، فإن التحليل اللغوي لجذر الكلمة يجعل ربطها بفعل نَفَلْ أي يسقط غير ممكن، ولهذا استقر النحويون العبريون على احتمالين اثنين، كلاهما من اللغة الأرامية.
ذلك أن الإنجيل العبري جمعه اليهود خلال فترة الأسر البابلي أو النفي البابلي، وحينها كان اليهود يتحدثون الأرامية، ولهذا نجد كلمات أرامية كثيرة في الإنجيل العبري. هذه الكلمة الأرامية نفل تعني حسب الاحتمال الأول للمعنى: الأشرار أو الطغاة أو المفسدون.
أما الاحتمال الثاني للمعنى فهو: العمالقة. وهو الاحتمال الأقوى الذي جعل النحويين يرتكزون عليه، لأنه يتوافق تماما مع تصريف الكلمة ويخدم السياق بشكل صحيح. فالكلمة المفردة هي نفيلا وتعني بالأرامية عملاق، وجمعها نفلين: عمالقة. ذلك أن تكوين الجمع في الأرامية يتم بإضافة الجذر “in” إلى نهاية الكلمة المفردة، وهكذا، حينما نُقلت الكلمة إلى العبرية أُضيف لها الجذر العبري “im” الذي يفيد صيغة الجمع. ولهذا، اتفقت بالإجماع جميع النصوص اليهودية القديمة على كلمة العمالقة كمعنى لكلمة نيفيليم. بالعربية تترجم أيضا إلى كلمة الطغاة، وبالإنجليزية Giants. ويوصفون أيضا بأنهم جبابرة بالعربية، Mighty men بالإنجليزية، و Gibborim بالعبرية.
هناك أيضا أدلة أخرى من الإنجيل غير سفر التكوين، كسفر يشوع وسفر التثنية وسفر العدد، حيث نقرأ في هذا الأخير كمثال أن الذين أرسلهم موسى ﷺ لأرض كنعان ليأتوا بأخبار الأقوام التي يسكنوها رأوا هناك قوم بني عناق، الذين هم من سلالة النيفيليم أو الجبابرة، العمالقة.
كخلاصة لهذا الكلام، ادعاءات سيتشين بخصوص النيفيليم والإلوهيم لا تتوافق مع ما هو مذكور بالإنجيل ولا تتوافق مع قواعد اللغة العبرية. فالإيلوهيم عند سيتشين هي الآلهة الأنوناكي خالقة البشر، والنيفيليم هي أبناء تلك الآلهة التي نزلت إلى الأرض وتزاوجت مع النساء البشريات، بينما الكلمتان في الإنجيل مختلفان تماما. فـ إيلوهيم تشير إلى الإله الواحد خالق الكون والبشر، وتكتب في صيغة جمع التعظيم وليس الجمع العددي. أما أبناء الله فليسوا هم النيفيليم، بل هم الملائكة، والنيفيليم هم ذرية هؤلاء الملائكة العاصين الذين تزوجوا ببنات آدم.
هكذا نختم هذا الجزء بخصوص ادعاءات وتصورات سيتشين حول الحضارة السومرية، وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى مستقبلا بوفيقه وتيسيره، مع حلقات جديدة حول قصص الخلق السومرية وملاحمها وعلاقاتها بالديانات السماوية وغيرها من المواضيع المرتبطة. تقبلوا تحياتي وتقديري، ووفقنا الله تعالى جميعا للحق. دمتم في رعايته والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
تميز هذا الجنس الهجين باختلاف بنيته الجسدية عن باقي البشر، بحيث كان أفراده عمالقة ومفسدين في الأرض. عاقب الله تعالى الملائكة الذين قاموا بهذا العمل بأن طردهم من الملأ الأعلى وسجنهم إلى الأبد. أما العمالقة فقد أغرقهم الله بالطوفان العظيم في عهد سيدنا نوح ﷺ وصارت أرواحهم شياطينا بعد موتهم. يجب أن أنوه بداية أن حديثنا اليوم ليس عن صحة القصة من عدمها، وإن شاء الله ستكون هناك حلقة خاصة بهذا الموضوع حينما ييسر الله تعالى. وسبب ذكرنا لها الآن هو اقتباس سيتشين منها للاستدلال على فرضيته.
يدعي سيتشين أن كلمة Nephilim تعني "الذين هبطوا من السماء" أو "الذين سقطوا من السماء" أو "الذين نزلوا من السماء في صواريخ نارية". كما أنه يدعي أن كلمة Elohim تعني الآلهة بصيغة الجمع، وأنها دليل من الكتاب المقدس على أنها لا تشير إلى الإله الواحد كما يعتقد أصحاب الديانات السماوية، بل إلى آلهة متعددة والتي هي الأنوناكي، وأن ما يؤكدها أيضا هو نظيرتها Ilanu بالأكادية.
حسنا، دعنا نأخذ الموضوع خطوة خطوة، وحتى لا نجعله طويلا، فإننا لن نتطرق إلى تفاصيل التفاصيل، لأن النقاش سيكون لغويا نوعا ما، وبالتالي سنحاول الاختصار في مسألة القواعد اللغوية. نستهل حديثنا بكلمة Elohim. وردت كلمة Elohim 2602 مرة في النسخة العبرية من الإنجيل في سياقات مختلفة، منها ما يشير إلى الإله الواحد، ومنها ما يشير إلى الملائكة ومنها ما يشير إلى الملوك الذين حكموا الأرض، إلى غير ذلك من السياقات الأخرى. كما وردت بصيغ أخرى مثل: إل – إله – إلوه.
تُعتبر كلمة El أقدم كلمة في اللغات السامية استُخدمت لتعني الله أو إله. وتدخل أيضا في تركيب أسماء الملائكة والأنبياء والأشخاص، بحيث تضاف EL إلى نهاية أو بداية الاسم. مثل جبرائيل، جبريل، ميكائيل، إسرافيل، إسرائيل، شموئيل، صموئيل، إليجاه، إلشداي، إل إليون، إلعُلام... الخ. من قواعد اللغة العبرية إضافة الجذر "Im" إلى الكلمات من أجل تكوين صيغة الجمع، ولهذا قال سيتشين إن كلمة إلوهيم تعني آلهة كثيرة وليس إلها واحدا.
صحيح أن الجذر "im"الملحق بالكلمات في نهايتها يُستخدم للدلالة على صيغة الجمع في اللغة العبرية، لكن ليس دائما. لماذا؟ لأنه يجب التفريق بين الجمع العددي، وجمع التعظيم. جمع التعظيم يعني استخدام صيغة الجمع مع المفرد كنوع من إظهار الاحترام أو التشريف، ومثاله أن تتحدث مع شخص ذو مكانة رفيعة وتقول له سيادتكم عوض سيادتك. أو كما هو الحال مع استخدام الله تعالى لكلمة "نحن" في القرآن الكريم مثل "نحن نقص عليك أحسن القصص"، "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، "نحن نرزقكم وإياهم".. إلى غير ذلك من الأمثلة. الذين يجهلون القواعد اللغوية لأي لغة كانت، سوف يجدون أنفسهم بكل تأكيد أمام ارتباك كبير في فهم المعنى. وهذا بالضبط ما حدث لسيتشين. فلو كان على معرفة بالعبرية كما ادعى، لما وقع في هذا الخطأ. لأن معرفة أي الجمعين هو المقصود عملية يسيرة، تعتمد فقط على صيغة الفعل المرفق، فإن كان الفعل في صيغة الجمع أيضا، كانت الكلمة جمعا عدديا، وإن كان الفعل في صيغة المفرد كانت الكلمة جمع تعظيم أو احترام.
وفي المثال التالي من سفر التكوين نجد أن الفعل في صيغة المفرد، مما يعني أن الجمع هنا ليس جمعا عدديا، بل جمع تعظيم. " bə•rê•šîṯ bā•rā ’ĕ•lō•hîm; ’êṯ haš•šā•ma•yim wə•’êṯ hā•’ā•reṣ." "In the beginning God created the heavens and the earth" "في البدء خلق الله السماوات والأرض" نجد هنا كلمة إلوهيم في صيغة الجمع مع الفعل في صيغة المفرد برا أو برأ شبيهتها بالعربية الفصحى: برا إلوهيم، خلق الله، God created. لو كان المقصود جمعا عدديا لكان الفعل في صيغة الجمع أيضا، ويجب أن تُقرأ حينها: برئيف إلوهيم، خلقت الآلهة، Gods created.
كما أن اللغة العربية الفصحى تضم نفس الكلمة، وهي تشير إلى الإله الواحد أيضا، كلمة "اللهم". مثلا: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ"، "قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ"، "قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ".. وعليه، فإن ادعاء سيتشين بأن Elohim تعني الآلهة الخالقة المتعددة ولا تعني الإله الخالق الواحد أمر باطل، وهذا يدل على أنه لا يعرف قواعد اللغة العبرية، وبالتالي ربطه للكلمة بـ الأنوناكي أمر باطل أيضا.
أما بخصوص كلمة نيفيليم، فكما أشرنا في البداية، سيتشين يقول إنها تعني الذين سقطوا من السماء، أو الذين هبطوا من السماء، أو الذين نزلوا من السماء في صواريخ نارية. وهو يعتمد عليها لأنها تخدم فكرته حول نزول الأنوناكي من الفضاء في مركبات فضائية. والسؤال المطروح هو: هل فعلا تعني كلمة نيفيليم، الذين هبطوا من السماء؟
يجب أن نعود أولا للسياق أين وردت الكلمة، وهذا بالأساس في سفر التكوين. حيث نجدها في القصة التي ذكرناها آنفا بخصوص الملائكة الذين اتخذوا من بنات آدم زوجات لهم قبل أن يطردهم الله تعالى من الملأ الأعلى لمخالفة أمره. نقرأ أن النسوة اللائي أقمن علاقة مع أبناء الله، أي الملائكة، قد ولدن الـ نيفيليم أو الجبابرة. الكلمة جاءت في صيغة الجمع وهي تنطق على وجهين اثنين، نفليم ونفيليم بالياء. وهذا الفرق في الكتابة يرجع إلى كون الكتابة العبرية كانت تُدون من غير حركات، تماما مثل العربية في البداية حيث كانت تكتب من دون تنقيط ومن دون حركات. وحينما أضيفت الحركات لاحقا ظهرت الكلمة بهاذين الوجهين.
الجذر الأصلي أو الأساسي للكلمة هو ثلاث حروف نون في لاميد. نفل. وهو فعل. هذا الفعل هكذا بدون حركات يمكن أن يشير لعدة معاني من بينها فعل "نَفَلْ" يسقط، وصيغة الاسم المشتق منه تعني الذين أُسقطوا، أي في صيغة المفعول الذي وقع عليه الفعل، وليس في صيغة الفاعل الذي يقوم بالفعل. بعبارة أخرى، ادعاء سيتين "الذين هبطوا من السماء" يعني أنهم هم من قاموا بهذا الفعل، أي هبطوا من تلقاء أنفسهم، في حين أن قول "الذين أُهبطوا من السماء" يعني أنهم هم من وقع عليهم الفعل من فاعل آخر، أي طُردوا وأُنزلوا. ولو كان المقصود الذين سقطوا من تلقاء أنفسهم كما يدعي سيتشين، فإن الاسم العبري ليس نفيليم، بل نيفوليم. هذا بالإضافة إلى أن الإنجيل لم يذكر أبدا أن الذين سقطوا أو أسقطوا هم النيفيليم، بل أبناء الله، أي الملائكة العاصون، أما النيفيليم فهم ذرية هؤلاء الملائكة من بنات البشر.
هناك أيضا اسم آخر يمكن اشتقاقه من الفعل نفل. وهو في صيغة الفاعل، ويعني "المغيرون"، أي الذين ينزلون أو يغيرون على أعدائهم. وهذا أيضا لا يخدم ادعاء سيتشين، لأن صيغة الجمع منه هي: نوفليم وليس نفيليم. وهكذا، فإن التحليل اللغوي لجذر الكلمة يجعل ربطها بفعل نَفَلْ أي يسقط غير ممكن، ولهذا استقر النحويون العبريون على احتمالين اثنين، كلاهما من اللغة الأرامية.
ذلك أن الإنجيل العبري جمعه اليهود خلال فترة الأسر البابلي أو النفي البابلي، وحينها كان اليهود يتحدثون الأرامية، ولهذا نجد كلمات أرامية كثيرة في الإنجيل العبري. هذه الكلمة الأرامية نفل تعني حسب الاحتمال الأول للمعنى: الأشرار أو الطغاة أو المفسدون.
أما الاحتمال الثاني للمعنى فهو: العمالقة. وهو الاحتمال الأقوى الذي جعل النحويين يرتكزون عليه، لأنه يتوافق تماما مع تصريف الكلمة ويخدم السياق بشكل صحيح. فالكلمة المفردة هي نفيلا وتعني بالأرامية عملاق، وجمعها نفلين: عمالقة. ذلك أن تكوين الجمع في الأرامية يتم بإضافة الجذر “in” إلى نهاية الكلمة المفردة، وهكذا، حينما نُقلت الكلمة إلى العبرية أُضيف لها الجذر العبري “im” الذي يفيد صيغة الجمع. ولهذا، اتفقت بالإجماع جميع النصوص اليهودية القديمة على كلمة العمالقة كمعنى لكلمة نيفيليم. بالعربية تترجم أيضا إلى كلمة الطغاة، وبالإنجليزية Giants. ويوصفون أيضا بأنهم جبابرة بالعربية، Mighty men بالإنجليزية، و Gibborim بالعبرية.
هناك أيضا أدلة أخرى من الإنجيل غير سفر التكوين، كسفر يشوع وسفر التثنية وسفر العدد، حيث نقرأ في هذا الأخير كمثال أن الذين أرسلهم موسى ﷺ لأرض كنعان ليأتوا بأخبار الأقوام التي يسكنوها رأوا هناك قوم بني عناق، الذين هم من سلالة النيفيليم أو الجبابرة، العمالقة.
كخلاصة لهذا الكلام، ادعاءات سيتشين بخصوص النيفيليم والإلوهيم لا تتوافق مع ما هو مذكور بالإنجيل ولا تتوافق مع قواعد اللغة العبرية. فالإيلوهيم عند سيتشين هي الآلهة الأنوناكي خالقة البشر، والنيفيليم هي أبناء تلك الآلهة التي نزلت إلى الأرض وتزاوجت مع النساء البشريات، بينما الكلمتان في الإنجيل مختلفان تماما. فـ إيلوهيم تشير إلى الإله الواحد خالق الكون والبشر، وتكتب في صيغة جمع التعظيم وليس الجمع العددي. أما أبناء الله فليسوا هم النيفيليم، بل هم الملائكة، والنيفيليم هم ذرية هؤلاء الملائكة العاصين الذين تزوجوا ببنات آدم.
هكذا نختم هذا الجزء بخصوص ادعاءات وتصورات سيتشين حول الحضارة السومرية، وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى مستقبلا بوفيقه وتيسيره، مع حلقات جديدة حول قصص الخلق السومرية وملاحمها وعلاقاتها بالديانات السماوية وغيرها من المواضيع المرتبطة. تقبلوا تحياتي وتقديري، ووفقنا الله تعالى جميعا للحق. دمتم في رعايته والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
0 comments:
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets