حقيقة أصوات المعذبين في سيبيريا

حقيقة أم خيال
تدوينة نصية - أصوات المعذبين في سيبيريا






 بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وجميع من تبعه بإحسان إلى يوم الدين


الكثير من المؤمنين بنظرية الأرض المجوفة يعتبرون قصة بئر سيبيريا دليلا على النظرية يرفع من قدرها ويجعلها حقيقة علمية. فقد حيكت قصص وأسندت روايات على هذه الواقعة بحيث تعطي سياقا مناسبا لاستنتاج أن كوكب الأرض فعلا مجوف.

وبغض النظر عن كون الأرض مجوفة أم غير ذلك، فإننا سنحاول في هذا الموضوع الوقوف على هذه القصة لنحكم بأنفسنا على مدى صحتها.






تقول القصة كما يتم تناقلها عبر مختلف مواقع الشبكة العنكبوتية:

نشرت صحيفة Ammennusastia الفنلندية مقالا عن خبر يخص بئرا في شبه جزيرة كولا الروسية وقصةِ الأصوات التي خرجت من باطنه من خلال مقابلة لها مع مدير مشروع الحفر الجيلوجي د. ديميتري أزاكوف.

ذكر الدكتور أزاكوف أن الجيولوجيين كانوا مذهولين بعدما حفروا عدة كيلومترات في عمق القشرة الأرضية (14.5 كلم / 9 أميال) في منطقة نائية من سيبيريا، حيث بدأ مثقاب الحفارة يدور فجأة بعنف ثم أصبح دورانه خفيفا ومرنا.

المفاجئة الثانية كانت التعرض لارتفاع مهول في درجة الحرارة وصل إلى حوالي 2000 درجة مئوية (مقياس فهرنهايت) كما أشارت أدوات القياس المتوفرة. فظن الجيولوجيون وفريق الحفر أنهم قد وصلوا إلى طبقة الصهارة، فقاموا بإنزال ميكروفونات حساسة إلى عمق هذه الحفرة لمعاينة ما حدث.

وكانت المفاجأة الكبرى أنهم سمعوا أصواتا لآلاف بل ملايين البشر الذين يصرخون من العذاب. فهرب جمع من هؤلاء العلماء والباحثين مفزوعين بينما سقط البعض منهم مغشيا عليه. وقال الدكتور أزاكوف في الختام: إنه ليس هنالك من تفسير لما حدث سوى تفسير واحد.. وهو أن أرضنا مجوفة.

حسنا.. الخلاصة التي خرج بها بعض المؤمنين بنظرية الأرض المجوفة تنقسم إلى نوعين، النوع الأول يعتقد أن جهنم موجودة بباطن الأرض وفيها يعذب العصاة من البشر. والنوع الثاني يقول إن بباطن الأرض عوالم كثيرة ومخلوقات غريبة من أهمها بالتحديد يأجوج ومأجوج.





فلنتابع حيثيات هذه القصة لنعرف ماذا حصل بالضبط.

في بداية سنة 1989 بدأت هذه القصة تنتشر في المنشورات المسيحية التبشيرية كالمجلات والكتب والصحف والمطويات، لكنها ظلت دون اهتمام كبير من وسائل الإعلام. وكان المبشرون المسيحيون يعتمدون هذه القصة من أجل تخويف الناس وتذكيرهم بعذاب جهنم الجسدي المحسوس والملموس، وكانت القصة تحمل في بدايتها اسم: البئر إلى الجحيم.

ثم بدأت هذه القصة تنتشر شيئا فشيئا مع ظهور شبكة الإنترنت وتطورها، إلى أن وصل بها الحال في وقتنا الحاضر لاستعمالها كدليل على جوفية الأرض من قبل بعض الناس.





كان الظهور الأول للقصة سنة 1989 على يد شبكة البث المسيحية TBN أو Trinity Broadcasting Network. وكان التركيز كثيرا على عبارة "علماء يكتشفون جهنم" في برامجها التلفزية وكذلك في النسخ المطبوعة لبرامجها الإخبارية.

وبعد هذه الفترة بقليل تمت إضافة عنصر تشويقي جديد للقصة، حيث أضيفت فقرة جديدة تحكي ظهور شيطان من الحفرة نفسها في وقت لاحق من نفس اليوم وكتب في وهج اللهيب الممزوج بالدخان الكثيف عبارة "لقد انتصرت".

بعد هذه الإضافة قامت صحف إخبارية مسيحية أخرى بإعادة نشر القصة لقرائها ومن بينها صحيفتي "اشكر الله Praise The Lord" و "بكاء منتصف الليل Midnight Cry" سنة 1990. الأولى في شهر فبراير والثانية في شهر أبريل.

 بعض الصحف الإخبارية المسيحية المنافسة كان لها موقف تشككي من القصة التي نشرتها شبكة TBN خاصة في ظل عدم وجود أي مصدر يعتمد عليه لإثبات الواقعة. ونشرت صحيفة "المسيحية اليوم Christianity Today" مقالا يفند المزاعم التي تستند لها القصة والغاية من نشرها.

كل هذا حصل دون أن يتم الإعلان عن أي مقطع صوتي، فلم يتحدث عنه أحد من الجهات التي نشرت القصة واعتمدتها. وكان أول ظهور للمقطع الصوتي سنة  2002 أي بعد مرور 12 سنة تقريبا، حيث توصل برنامج "من الساحل إلى الساحل Coast to Coast FM" الإذاعي برسالة إليكترونية جاء محتواها كالتالي:






أنا مستمع جديد لبرنامجكم الإذاعي، ولم أستطع تصديق نفسي عندما سمعتكم الليلة تتحدثون عن قصة "أصوات من الجحيم". لقد أخبرني عمي بهذه القصة منذ عدة سنوات مضت، ولكني لم أصدقه مثلما فعل أحد مستمعيكم وفند القصة على أساس أنها ملفقة من أحد الصحف الدينية.

القصة حول الحفر وحول الأصوات حقيقية، لقد حدث هذا بالفعل في سيبيريا. كان عمي الذي توفي منذ مدة وجيزة مهتما بمجال الخوارق والماورائيات، وكان لديه كم هائل من التسجيلات المرئية والمسموعة والمكتوبة بهذا الخصوص.

ذات يوم جعلني عمي أستمع لإحدى التسجيلات الخاصة بقصة أصوات من الجحيم في سيبيريا، فقمت بعمل نسخة منها. النسخة التي كانت بحوزته حصل عليها من صديق يعمل لدى شبكة ال BBC. مع رسالتي هذه، أرفق لكم المقطع الصوتي من تسجيلات عمي.

فكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها عرض المقطع الصوتي، فانتشر بشكل سريع منذ وقتها.





وقد انقسم المؤمنون بنظرية الأرض المجوفة إلى رأيين حول هذا المقطع الصوتي لكن كلاهما يعطيانه تفسيرا دينيا.

الرأي الأول هو رأي بعض المبشرين المسيحيين الذين يؤمنون بأن النار أو جهنم موجودة في باطن الأرض مستشهدين على ذلك بآيات من الإنجيل. واتفق بشكل جزئي مع هؤلاء الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني، حيث كان يعتقد أن الأصوات هي لأرواح المعذبين من البشر في سجين.

أما الرأي الثاني، فقد خرج للوجود مؤخرا فقط من طرف بعض المؤمنين بتجويف الأرض من المسلمين بالجزيرة العربية. حيث ظهرت تفسيرات غريبة تنسب الأصوات لأقوام يأجوج ومأجوج الذين يعيشون بجوف الأرض بعد أن أغلق عليهم ذو القرنين المنفذ إلى أرضنا هذه.




فهل هذا الأمر حقيقي؟ لنعد قليلا إلى الوراء.. بالنسبة للسيد ريش بوهلر Rich Buhler، صاحب برنامج إذاعي لصحيفة Christianity Today التي ذكرناها آنفا فإن القصة مفبركة حسب المقال الذي نشره سنة 1990.

كان هناك بعض المستمعين الذي تعرفوا على القصة من شبكة TBN يتصلون بالبرنامج ويسألون السيد بوهلر عن حقيقتها، فقام بدوره بتشكيل فريق تحري لتقصي خيوط القصة. فكانت نتيجة البحث كالتالي:

قالت شبكة TBN على الهواء مباشرة إن مصدرها هو صحيفة فينلندية اسمها Ammennusastia ووصفتها بأنها ذائعة الصيت في البلاد. واتضح بعد هذا أن الصحيفة المذكورة ليست صحيفة علمية بالأساس، وإنما صحيفة إنجيلية تبشيرية تابعة للكنيسة البروتستانتية، كانت تطبع في فنلندا في الفترة بين 1974 و 1989.

وحينما قام السيد بوهلر بالاتصال بالمشرفين على الصحيفة وتسائل عن القصة كان الرد أنها قصة مستوحاة من نسج الخيال ومقتبسة من إبداعات القراء في صحيفة أخرى محلية تدعى Etela-Suomen Sanomat والتي كانت تخصص مساحة في صفحاتها لقرائها لهذا الغرض بدون رقابة أو تشديد على المواضيع.





سلسلة المصادر لم تتوقف هنا، فقد ذكر صاحب القصة في الصحيفة الأخيرة أنه قد قرأها في جريدة تهتم بالخوارق الطبيعية اسمها Vaeltajat. السيد بوهلر اتصل بالجريدة وعلم أن القصة مأخوذة من جريدة أخرى تابعة لجهة تسمى نفسها  اليهود المسيحيين أو Jewish Of Hericho.

ولكن بعد محاولة الاتصال بهذه الجهة لم تكن هناك أية معلومات عنها ولا عن عنوان مقرها، بل ولا حتى إشارات عن وجودها من الأصل. فكان الاستنتاج النهائي أن القصة لا تملك دليلا يُستند عليه سوى كونها قصة من نسج الخيال.






فمن أين جاء التسجيل الصوتي إذن؟ كانت هناك محاولات كثيرة لتقصي حقيقته، فكانت النتيجة هي اقتباسه من مقطع صوتي لفيلم تم إنتاجه في سنة 1972 يحمل اسم Baron Blood. واتضح أن صاحب التسجيل قام بإنتاجه عن طريق أخذ مقاطع مختلفة من الفيلم المذكور وقام بمزجها مع بعضها البعض عن طريق برنامج متخصص في تحرير الصوت مع إضافة تأثيرات وأصوات مشابهة من مصادر أخرى، وذلك حتى لا يكون كشف هذا السر بتلك السهولة.

قبل بضع سنوات، قام شخص متخصص في برامج مونتاج الصوت يحمل الاسم المهني Moscowjade بوضع شرح مفصل يؤكد فيه على أن المقطع مفبرك بدون أدنى شك، وأهم نقطة في الحكم عليه كانت وجود تكرار في الأصوات والصرخات بين كل فينة وأخرى وتطابق في طول الموجات المكررة وتردداتها (الرابط).






الحقائق لم تتوقف هنا عن الظهور، بل كان هناك جديد، وهو أن السيد بوهلر تمكن من الاتصال بأستاذ نرويجي يدعى Age Rendalen كان له دور كبير في انتشار القصة. ففي سنة 1991 في بيان رسمي نشرته جريدة Secular Humanist Bulletin اعترف ريندالين بالفرية التي ساهم في نشرها للعالم. وقال إنه حينما كان في زيارة إلى كاليفورنيا سنة 1989 صدم من سذاجة الشعب الأمريكي وتصديقه لما ذكرته شبكة TBN، فقرر أن يرى مدى انطواء الحيلة عليهم.





 حينما عاد إلى بلاده قص مقالا من جريدة نرويجية حول مفتش بناء، وأرفق معه ترجمة تضمنت ظهور الشكل الشيطاني ورسالة "لقد انتصرت" وأعطى للمفتش اسم د. ديميتري أزاكوف ليوافق الاسم الذي تم الافصاح عنه آنفا. فنشرت الشبكة الجزء الثاني من القصة مع الإضافة دون أن تكلف نفسها عناء ترجمة المقال بنفسها لتعلم أنه مخالف تماما للترجمة المصاحبة له.

ومنذ ذلك الحين والقصة تنتقل بين الصحف والجرائد مع زيادات واختلافات كثيرة في عدد الأشخاص الذين تواجدوا هناك وماذا حصل لهم.

حقائق وجب أخذها بعين الاعتبار:

1-   الحقيقة الواضحة هي أنه لا وجود لأي حفرة في سيبيريا من هذا النوع، أعمق حفرة موثقة على سطح الأرض تقع في الشمال الغربي لروسيا في كولا بينينسولا، وتبعد حوالي 16 كلم عن الحدود النرويجية الروسية، وهي بعيدة عن سيبيريا. ولا وجود لأي دليل يؤكد وجود حفرة من هذا النوع في سيبيريا.

2-   الآلات والوسائل المستخدمة في الحفر لا يمكن أن تعمل في درجة حرارة تصل إلى 2000 فهرنهايت،  فدرجة تحملها القصوى للحرارة تتوقف عند 572 درجة. بالإضافة إلى كون الميكروفون الذي تم إنزاله كان ليذوب قبل وصوله لقعر الحفرة في ظل هذه الحرارة المرتفعة.

3-   التقارير الرسمية تؤكد أن الحفرة العميقة في كولا بينينسولا توقف العمل بها سنة 1992 بسبب ارتفاع درجة الحرارة إلى 356 درجة على مقياس فهرنهايت، بينما كان العلماء يتوقعون وصولها إلى 212 فقط. وليس 2000 درجة كما في القصة المزعومة.

4-   أصحاب نظرية الأرض المجوفة يقدرون حجم الطبقة الأولى للأرض بين 700 و 800 ميل، أي ما يفوق ال 1100 كلم، وبالتالي فإنه من المستحيل أن يكونوا قد سمعوا أصوات من يعيش من المخلوقات على الجهة الثانية من الطبقة لأن الحفرة كان عمقها 14.5 كلم فقط (تقريبا 9 أميال)، أي أنها لا تساوي حتى 2% من عمق الطبقة.

5-  الأصوات المزعومة التي قيل عنها أصوات يأجوج ومأجوج  لا يختلف اثنان على أنها أصوات بشر يصرخون من الألم والعذاب، وليس أصوات من هم مفزوعين من رأس الحفارة التي خرجت إلى عالمهم.

7-   الأصوات المزعومة بعد كشف حقيقتها لا يمكن أن يؤمن بصحتها إلى نوعين من الناس، شخص لا يعلم حقيقتها، وشخص لا عقل له.

8-   ربط يأجوج ومأجوج بالموضوع، يجعل عالمهم في جحيم من النيران الملتهبة تصل إلى 2000 درجة على مقياس فهرنهايت، وهذا من الخزعبلات.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نقول: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وجميع من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى بركاته




3 comments:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets